شهدت الفترة الأخيرة تزايدًا ملحوظًا في انتقال المقاتلين الذين ينتمون لتنظيم "داعش" إلى أفغانستان من أجل الانضمام لما يسمى بـ"ولاية خراسان"، وذلك بالتزامن مع الهزائم القوية التي تعرض لها التنظيم في كل من العراق وسوريا، بشكل بات يثير قلقًا ملحوظًا ليس لدى الحكومة الأفغانية فحسب، وإنما أيضًا لدى دول الجوار، التي ترى أن هذا الاتجاه قد يساعد في تعزيز نفوذ المقاتلين الأجانب، وربما يدفعهم إلى محاولة الانتقال إلى داخل حدودها، بكل ما يفرضه ذلك من تهديدات مباشرة لأمنها واستقرارها.
اتجاه متصاعد:
اتجه عدد كبير من المقاتلين الأجانب إلى أفغانستان خلال الشهور الأخيرة، وذلك للالتحاق بفرع تنظيم "داعش" في أفغانستان وهو "ولاية خراسان"، حيث كشفت تقارير عديدة في ديسمبر 2017، عن استقبال التنظيم لبعض المقاتلين "الدواعش" من أوزبكستان والشيشان وطاجيكستان، من بينهم نساء.
وقد وصل هؤلاء الإرهابيون إلى أفغانستان بعد أن شاركوا في المواجهات المسلحة التي انخرط فيها التنظيم داخل كل من سوريا والعراق، حيث أقام التنظيم معسكرًا خاصًا لهم جنوب غربى ولاية جوزجان، وذلك لمواصلة تدريباتهم وإكسابهم خبرة المشاركة في العمليات التي يقوم التنظيم بتنفيذها في أفغانستان. ويبدو أن ذلك لا ينفصل عن إعلان السلطات الأفغانية، في 3 يناير الجاري، عن اعتقال 13 إرهابيًا من التنظيم كان من بينهم عدد من الأجانب، قبل إقدامهم على تنفيذ عمليات إرهابية داخل البلاد.
وتزامن توجه المقاتلين الأجانب إلى أفغانستان مع تزايد نشاط التنظيم بشكل ملحوظ خلال الأشهر الأخيرة، حيث أن التنظيمات الإرهابية تسعى إلى إثبات قدرتها على شن عمليات إرهابية عديدة، خاصة ضد قوات الشرطة والجيش أو المؤسسات الحكومية، على غرار الهجوم الذي شنه التنظيم في 25 ديسمبر الماضي، بالقرب من مبنى وكالة الاستخبارات الأفغانية في كابول، وأدى إلى مصرع 10 أشخاص على الأقل وإصابة عدد آخر، وذلك بعد أسبوع من هجوم آخر استهدف مركزًا للتدريب تابعًا للاستخبارات الأفغانية.
واللافت في هذا السياق، هو أن ولاية جوزجان، القريبة من الحدود مع أوزبكستان، تعد إحدى المناطق التي يتزايد فيها نشاط "ولاية خراسان"، بعد ظهوره في شرق أفغانستان في عام 2015.
أسباب مختلفة:
يمكن تفسير حرص بعض المقاتلين الأجانب على الانتقال إلى أفغانستان في ضوء اعتبارات عديدة، يتمثل أبرزها في:
1- السعى للحصول على الحماية: يعد تنظيم "ولاية خراسان" أحد أبرز فروع تنظيم "داعش"، في ظل سيطرته على مساحة كبيرة من القرى والبلدات، خاصة في مقاطعة ننجارهار شرقى أفغانستان، وبعض الولايات الأخرى مثل جوزجان وفرياب وسارِه بول، فضلاً عن أنه يضم بعض المقاتلين ذوي الخبرة القتالية والتنظيمية، وهو ما يزيد من قدرته على شن هجمات نوعية، إضافة إلى تعدد مصادر تمويله، بشكل يدفعه إلى محاولة التوسع، وهو ما يدفع العديد من المقاتلين الفارين من المعارك العسكرية في العراق وسوريا إلى الانتقال إليه.
2- المتغير الطائفي: يحرص تنظيم "داعش" وأفرعه المختلفة على استغلال العامل الطائفي لجذب مقاتلين أجانب، حيث يتجه إلى تنفيذ عمليات إرهابية ضد بعض الطوائف الأخرى وذلك كآلية لاستقطاب عناصر متطرفة جديدة للانضمام إليه.
3- سهولة الانتقال: تتسم أفغانستان بحدودها الهشة التي تسمح بانتقال المقاتلين الأجانب، مقارنة ببعض المناطق الأخرى التي تتواجد بها الأفرع المختلفة للتنظيم، خاصة حدودها مع باكستان، وهى ما تعرف بـ"المنطقة الجبلية"، التي يوجد بها العديد من الدروب الجبلية، التى تستخدم، في بعض الأحيان، كممرات لنقل المئات من المقاتلين.
كما تمثل الحدود الإيرانية منفذًا آخر لعبور الإرهابيين إلى داخل أفغانستان، وهو ما دفع رئيس الحزب الإسلامي قلب الدين حكمتيار، فى 4 يناير الجاري، إلى توجيه اتهامات قوية لإيران بالمساعدة في نقل العناصر "الداعشية" عبر أراضيها إلى أفغانستان، بهدف "تأسيس نسخة داعشية جديدة تتخذها كذريعة للتدخل في الشئون الداخلية للبلاد".
ومن دون شك، فإن ذلك يشير إلى أن السياسة التي تتبناها إيران ساهمت في انتشار وتزايد تأثير التنظيمات الإرهابية، بسبب تغاضيها، أو بمعنى أدق دعمها لنقل الإرهابيين عبر أراضيها من وإلى أفغانستان.
4- مواصلة النشاط: يسعى بعض المقاتلين "الدواعش" إلى استكمال نشاطهم الإرهابي داخل صفوف الأفرع التي أعلنت مبايعتها للتنظيم، بعد خروجهم من العراق وسوريا. ويمثل تنظيم "ولاية خراسان" أحد البدائل المتاحة في هذا السياق، رغم التحديات العديدة التي يواجهها نتيجة انخراطه في مواجهات مسلحة على أكثر من جبهة، خاصة قوات الشرطة والجيش إلى جانب حركة "طالبان".
وبالطبع، فإن ذلك يتوافق مع مساعي تنظيم "ولاية خراسان" لتوسع نطاق نفوذه داخل أفغانستان والتحول إلى أحد أبرز الأفرع التي تنتمي إلى تنظيم "داعش" بعد تراجع قدرات الأخير خلال الفترة الماضية.
5- البديل المحتمل: قد تكون أفغانستان إحدى البدائل المحتملة لانتقال تنظيم "داعش" إليها خلال المرحلة القادمة، من أجل تحقيق أهدافه التي فشل فيها داخل المناطق التي سيطر عليها في السابق في العراق وسوريا، بعد الضربات العسكرية التي تعرض لها على أكثر من جبهة.
وهنا، فإن مسارعة بعض المقاتلين الأجانب للانتقال مبكرًا إلى أفغانستان قد يمنحهم أولوية لتولي مناصب بارزة داخل التنظيم الجديد، مستندين في هذا السياق إلى الاختلافات التي قام التنظيم بترسيخها بين المقاتلين الأجانب والعناصر المحلية خلال الأعوام الأربعة الأخيرة.
وعلى ضوء ما سبق، يمكن القول إن تنظيم "ولاية خراسان" سوف يسعى إلى تصعيد عملياته خلال الفترة القادمة، وذلك لتعزيز قدرته على جذب مزيد من العناصر الإرهابية للانضمام إلى صفوفه بشكل قد يساعده على تصدر خريطة المجموعات الإرهابية التي أعلنت تبعيتها لتنظيم "داعش" في الفترة الماضية.